هاهي رياح الغربة ترسلك بعيدا حيث تنظر بعينيك فلا تجد الوطن فأنت الآن بعيد عن مدينتك وحيك وبيتك واخوانك وأحبابك وهاهي اللحظة التي تدير فيها ظهرك للوطن مودعا قد جاءت تخطو الخطوة وأختها على أرض لم يكن لك فيها ذكرى ولا تجارب دمعة أو فرحة أو حتى اشارة مرور في مدينتك تستوقفك مرارا وتكرارا فاذا ما قلبت ناظريك يمنة ويسرة رأيت ثم رأيت جنة من جنان الله على الأرض الا أنها تخلو من لايمان كدميتك التي كانت تجلبها لك أمك حين كنت طفلا في يوم العيد الا أنها بلا روح
كل شيء هنا يضج بالغربة : السماء والأرض الصغير والكبير الفقير والغني الحي والميت .
مما علمتني اياه الحياة في نسائم الغربة : أن الانسان حين يكون غريبا فريدا وحيدا يشعر شعور لا يخالطه أدنى شك أن الدنيا على سعتها باتت صغيرة جدا لكأنه يستطيع أن يضمها في كفة يده لا سعة المساحة والمسافة وانما سعة الشعور حين يشعر به من يحب على آلاف المسافات بعدا وأنه أيضا يبادله نفس الشعور فخطاب الروح من أقوى العرى وأوثقها ، وهذا من فيض رحمة الله على ابن آدم خاصة اذا كان له في الوطن حب وأشواق ... فما أجمل أن يكون هناك من ينتظر عودتك ..
ومما علمتني اياه الحياة : أن الزهرة في الغربة بستان تأمل وتفكر وتدبر في بديع صنع الباري فبها من الرقة ما يسع الجبال والسهول فيا عجبا لانسان لا يحمل في جنبيه ما تحمله الزهرة ....
يا زهرة لم تزل ترضي بنضرتها
قلبي ولي عندها حب وتقدير
ومما علمتني اياه الحياة : أن قلب المؤمن كالمحيط يسع الناس كلهم من أحبه بصدق منهم أو من لم يحبه وأن عليه أن يصبر على ثقل حمولة بعضهم محتسبا الأجر عند العلي العظيم ..
ومما علمتني اياه الحياة : أن لا أعظم من ساعات السحر التي يشعر فيها الانسان أن الغربة عنده قد أصبحت وطنا في هذه اللحظات يصنع الانسان نفسه من جديد فيها تستغفر ربك ، وتجبر كسرك وتعود الى عهدك وصدقك
وأيضا مما علمتني اياه الحياة : أن العودة الى الوطن أشبه بعودة الروح الى الجسد والشفاءالى الجسم العليل والراحة عقب الجهد والسعادة بعد زوال العناء وذهاب الحزن
وختاما : همسة لكل المغتربين :
سافر اليوم أو غدا تنقل بين أرجاء الدنيا ولكن مهما كنت بعيدا فانك من الله قريب
عبرة :
رب عونا فلي فؤاد رقيق
يتناسى الآلام بالايمان
فاجمع الشمل ياالهي و
هب لي مخرجا طيبا من الأحزان